يمتد تاريخ حوران بشكل عام على مدى عصور قديمة جداً حيث يعود تاريخ حوران إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد من العصر البرونزي، ويوجد مواقع أساسية تدل على ذلك وهي: خربة لبوة، وتل دبة بريكة، وكوم الصوان، وكوم المغاربة، وكوم الرمان التي تقع في منطقة اللجاة التابعة لمحافظة درعا التي تمتد على طول سهل حوران، ودرعا من المدن القديمة وليس من السهل تحديد الفترة التي سكن فيها الإنسان القديم هذه المنطقة من حوران.
ولكن التحريات الأثرية القليلة أثبتت أن البيوت القائمة حاليًا تدل على وجود مدينة قديمة بائدة قائمة تحت المدينة الحالية تتألف من: شبكة واسعة من الممرات، والمساكن، والغرف، والمعابر المحفورة بفعل المياه الباطنية، وقد ســكنها إنسـان الكهوف في العصر الحجري الحديث من الألف السادسة إلى الألف الرابعـة قبل الميلاد، وعمل على نحتها وتشكيلها بالصورة التي يرغبها. وتدل الأدوات التي خلفها الإنسان على معرفته بزراعــة الأرض، وتربيـة الحيوان، واكتشاف صنع الفخار، كما استخدم الألوان وصنع الخيوط وتبادل مع جيرانه المحاصيل الزراعية والمصنوعات.
تعود أول إشارة مكتوبة تذكر مدينة درعا إلى رسائل تل العمارنة المكتشفة في مصر عام 1882 م، وتعود هذه اللوحات إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد. كما ورد اسم المدينة في التناخ وبعض الشواهد الأثريــة التي تدل على أن المدينـة كانت عامـرة في الألف الثالث قبل الميلاد. وحسب روايات التاريخ، فإن الأموريون هـم أول من اســتقر في أرض حوران. وتذكر التوراة أن عوج ملك باشان كان من ســلالة هؤلاء العمالقة وكانت مدينة أذرعي (درعا الحالية) العاصمة.
كما وردت أول إشارة إلى الأموريين عند سرجون الآكادي (2250 ق.م) وأيضا حسب التناخ ومن نقل عنه من الإخبارين، يوصف الملك عوج ملك باشان بانه من بقية الجبابرة وذو قامــة كبيرة، ووصفت التوراة الأموريين بأنهم مثل الأرز طــولاً ومثل السـنديان قوة. وقد تصدت أذرعي بقيادة الملك عوج لهجرة العبرانيين الذين بدؤوا ينزلون في الجانب الغربي من حـوران وذلك حوالي عــام 125 ق.م، وقد احتل العبرانيون مـدنًا كثيرة من حــوران، واتجهوا نحو الشمال ولكن المملكة الآرامية في دمشق وقفت في وجههم، وبعـد حـروب دامت نحــو قرنين تحررت أرض حوران وأصبحت جزءًا من دولة آرام.
وبعد أن امتدت سلطة المملكة الآشورية إلى هذا الجزء من بلاد الشام أصبحت حوران جزءًا من الإمبراطورية الآشــورية في ســوريا، ثم جزءًا من الولاية الكلدانية، وبعد ذلك جزءًا من الولاية الفارسية الخامسة، وبعد معركـة ايسوس عام (333 ق.م) أصبحت حــوران جزءًا من إمبراطورية الإســكندر المقدوني الكبير، وبعد وفاته أصبحت حـوران عام 333 ق.م جزءًا من مملكة السلوقيين الذين وصلت حدود مملكتهم الجنوبية إلى جبل عجلون، وكانت حوران وعاصمتها أذرعا ضمن مناطق البثينة الاسم اليوناني للمنطقة.
وفي عام 90 ق.م تمكن عبادة ملك الأنباط من قهـر الإســكندر الكابي ملك اليهود، وتوغل في أرض حوران، ثم انتصر على الملك السلوقي أنطيوخوس الثالث في موقعة أمتان في جبل العرب قرب صلخد عام 88 ق.م وانتزع منه بقية حوران، وكانت
بصرى هي الحضارة الثانية بعد البتراء في عهد الأنباط. وفي عام 106 م أصبحت حوران جزءًا من ولاية سـورية الرومانية تعرف بالولاية العربية الرومانية وعاصمتها بصرى وفي عام 300 م قسمت هذه الولاية إلى جنوبية وعاصمتها البتراء، وشــمالية وعاصمتها بصرى وكانت مدينة درعا ضمن الولايــة العربية الشــمالية.
وحين انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى غربية وعاصمتها رومــا، وشرقية وعاصمتها القسطنطينية أصبحت حـوران تابعة للحكم البيزنطي، وما زالت بقايا الآثار الرومانية ماثلة في درعا القديمة؛ فقد كشفت التحريات عن قســم من مدرج واسع ظهر منه تسع درجات بحالة جيدة في الجانب الغربي من المدرج، كما وجدت بقــايا الحمامات التي يعــود تاريخها إلى تلك الفترة، كما وأن هناك طريقًا قديمة رومانية تصل بين بصرى وشـواطئ البحر الأبيض المتوسط مروراً بدرعا.
وفي الفترة الرومانية كانت إمارة الغساسنة تحت سـلطة الدولة الرومانية البيزنطية وبسبب غزوات الفرس المتعددة ضعفت سلطة الغساسنة.
وفي الفترة التي سبقت الإسلام تجدر الإشارة إلى العلاقات التجارية من شبه الجزيرة العربية مع سوق درعـا الشهير بسوق أذرعات التي كانت تؤمها قوافل العرب تحط فيها رحالها، وتتسوق من خمورها، وتقام هذه السـوق عادة بعد سوق بصرى بسبعين ليلة، وبقيت هذه السوق بعد الإسلام لفترة طويلة.
وإلى عهد الغساسنة وحــوالي القرن الثالث الميلادي ترجع أقدم مشروعات الري في هذه المنطقة وأهمها: قناة فرعون التي تجري المياه من سهل الثريا الواقع بين إنخل والفقيع عبر قناة فخارية ما تزال آثارها باقية تمر من الشيخ مسكين إلى قرية شـقرا غرب قرية غزالة ثم إلى مدينة درعا عند مكان يعرف بحمام الملكة تحت تل الكرك.
وقد لعب الغساسنة دورًا بارزًا أيام الحكم البيزنطي، وامتدت سلطتهم من جنوب دمشق حتى شـرقي الأردن، وجعلوا عاصمتهم في الجولان مدينة الجابية وهي اليوم تل كبير غربي قرية نوى في محافظة درعا.

منذ الفتح العربي الإسلامي حتى نهاية العهد العثماني

سنجق حوران في أواخر الحكم العثماني

سنجق حوران في أواخر الحكم العثماني

في الجاهلية كان يحكم مدينــة درعا عمال للــروم، ولما وصل العرب المسلمون عقدوا مع أهلها صلحاً ومنحوها عهداً في عام (635 م)، وحين جاء الخليفة عمر بن الخطاب إلى الشـام استقبله أهل درعا بالغناء والضرب على الدفوف.
وكانت معركة اليرموك الفاصلة بين العرب والروم عام /15/ للهجــرة، وقد كانت في المنطقة الجنوبية الغربية من حوران. وعســكر عمرو بن العاص في المنطقة الممتدة من جنوب وادي الزيدي المار بأذرعات حتى قريـة داعل شمالاً، وبعد اليرموك بقيت أخبار حوران قليلة إلى أن زار الخليفة عمر بن الخطاب المنطقة قبل سقوط مدينة القدس فقد أقام في الجابية لمدة ثلاثة أسابيع، وربما بوشر ببناء المسجد العمري الشهير بمدينة درعا خلال تلك الفترة.
وقد احتلت حوران مكانه هامة أثناء الحروب الصليبية وأصبحت مركزًا عسكريًا هامًا منع الصليبين من قطع المواصلات بين دمشـق والقاهرة في تلك الفترة وفي عام /1119/ هاجم بودوان الثاني مدينة درعا واحتلها ولكنه لم يتمكن من مدينة بصرى.
وفي النصف الثاني من القرن الثاني عشر برز الكرد الأتابكاة الزنكيون يقودهم عماد الدين الزنكي وقدر لحـوران أن تظهر في عهد الناصر صلاح الدين الأيوبي الكردي الذي ينطلق من جنوب دمشق ومن حوران إلى نصر حطين 1187 م.
وحوران في جميع الأحوال خـلال العصور الوسطى كانت تتبع لدمشق. يقول ياقوت الحموي في القرن الثالث عشر بأن: حوران كورة واسعة من أعمال دمشــق في القبلة ذات قرى كبيرة ومـزارع قصبتها بصرى ومنها أذرعات وإزرع وغيرهما.
وعندما قسمت المنطقة فيما بعد إلى ولايات أصبحت درعــا مركزًا لولاية ســهل حوران ويطلق عليها اسـم البثينة، وبصرى مركزًا لولاية جبل حوران، وعجلون مركزاً لولاية عجلون، ونــوى مركزاً للجيدور، وإزرع مركزا لإزرع.

وكانت درعــا تتصل بطرق رئيسية مع جميع المناطق إذ كانت طريق البريد بين دمشق والقاهرة مارة بالكسوة وغباغب والصنمين وطفس ودرعا وإربد حتى غزة.
ويأتي المماليك بعد الأيوبيين فتصبح درعـا وحوران تحت حكمهم حتى مجيء الأتراك في 1516 م، وفي هذه الأثناء تعاني البلاد عامة من عوامل الجمود حتى مطلع القرن العشرين حيث أقيم الخط الحديدي الحجازي وبعث الحياة من جديد في المنطقة.
وفي عام /1880/ أصبحت حوران متصرفية مؤلفة من ســتة أقضية مركزها المزيريب وهي:
أقضية الجيدور، والجولان، والجبل، والنقرة، وعجلون، والبلقاء، وكانت درعا مركزاً لقضاء النقرة وبعد مد الخط الحديدي الحجازي عام 1904 م فقدت المزيريب أهميتها كمركز انطلاق للحج، وأصبحت قرية الشيخ سعد مركزاً لمتصرفية حوران، ثم نقل فيما بعد إلى الشيخ مسكين، ثم إلى إزرع، وأخيرًا إلى درعا.
وفي فترة الاحتلال الفرنسي كان لدرعا وأهلها دور كبير في التصدي لهذا الاحتلال في عدة معارك منها : غباغب حيث كانت القوات الفرنسية مرابطة على الحدود الجنوبية وكان المتطوعين يتسربون إلى مناطق الثورة, ويلقى الحوارنة كل مؤازرة ومناصرة, وفي هذه الفترة قامت الطائرات الفرنسية بإلقاء المناشير على مواطن الثوار عسى أن يجدي التهديد والوعيد نفعاً ورابطت حملة عسكرية كبرى في قرية غباغب لامتلاك الطرق وسهولة توزيع القوات وسوقها إلى مواقع الثائرين، ورأى الجنرال غورو أن ثورة حوران قد اتسع نطاقها, ولابد من إخمادها بأية وسيلة فعمد إلى إشاعة الأحقاد والضغائن… وإثارة الفتن بين الحوارنة وجيرانهم من سكان جبل العرب دون أن يدري أن شعبنا قد تعود أمثال هذه الفتن، وتعود أن يتغلب عليها.
لقد فادى الشعب الحوراني بالأرواح والأموال في سبيل عقائده الوطنية لكن الفرنسيين قد وصفوا ثورته بالعصيان، وجهاده بالشقاوة، وإعراضه عن الفرنسيين ضرباً من الجنون واعتبروا أنفسهم رسل الحرية والمدنية إلى أهل هذه البلاد، لكن هذا لم يفت في عضد الثوار ولم توهن من عزائم الرجال فتابعوا نضالهم وكانت الحملة الفرنسية قامت من غباغب ووصلت إلى موقع ” الكتيبة ” واشتبكت مع الحوارنة بمعركة ضارية، واضطرت القوات الفرنسية للتوقف أمام صمود المجاهدين واستماتتهم بالدفاع وتعرضت لأفدح الخسائر. ثم جمع الحوارنة شملهم وهاجموا الجيش الفرنسي في موقع “الدلي” وكادوا يوقعون به كارثة كبرى، لولا النجدات التي تلقاها الجيش الفرنسي من دمشق واستمر الشعب في حوران بالمقاومة حتى رحل آخر جندي من قوات الاحتلال الفرنسي.

وفي العصر الحديث انطلقت من درعا في حوران شرارة الثورة السورية 18\3\2011ضد التسلط، ونظام القمع والإرهاب وبقيت درعا صامدة رغم الحصار ومحاولات القضاء على الثورة. لكن بشجاعة أهل حوران فشلت كل محاولات قوات الأسد في القضاء على الثورة وبقيت مستمرة حتى شملت الثورة كافة مناطق سورية، وما زالت الثورة مستمرة بعزيمة أهلها حتى تحقيق النصر.