يتعاظم دور المؤسسات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني في المجتمعات المتقدمة، ويمتد إلى مختلف مجالات الشأن العام، فلا تكاد تجد جانباً من جوانب الحياة إلا وهناك جمعيات أهلية توجّه جهودها للاهتمام به، بدءاً من إصلاح ذات البين على المستوى الخاص وانتهاءً بقضايا الفققر والتنمية وتحقيق رفاه المجتمعات.

ولا شك أن وجود هذه المؤسسات الأهلية في تلك المجتمعات، هو من أهم مقومات قوتها واستقرارها، وتجديد الحيوية والنشاط في أوساطها، وهو مظهر لإحساس الناس هناك بالمسؤولية تجاه قضايا الحياة، والتصدي لتحمل أعبائها. ومع قوة حكوماتهم ووفرة إمكانياتها، لكنهم لا يلقون بكامل الأعباء على كاهل الحكومات، بل يشاركونها إدارة مختلف شؤون الحياة، وفي حال غياب الحكومات فيكون الدور الأبرز في حفظ المجتمع ومنعه من التفكك والانهيار هي هذه المؤسسات التي تقوم على حاجاته الأساسية وتسعى ما أمكن لتنميته وسد احتياجاته، ويبلغ عدد الجعيات الخيرية والمهتمة بالشأن العام ما يزيد عن مليون ونصف، وفي ألمانيا 800 الف جمعية، بينما في فرنسا فتوجد 600 الف جمعية، وفي إسرائيل وحدها ما يقارب 35 الف جمعية أي بمعدل جمعية لكل واحدة لكل 170 مواطنا

تحقق مؤسسات العمل الأهلي أغراضاً ايجابية كبيرة تخدم قوة المجتمع، وتعزز أمنه واستقراره فهي:

أولاً:

تخلق وتنمي الشعور بالمسؤولية لدى الأفراد تجاه مجتمعاتهم، وتكرّس في نفوسهم قيم الخير والعطاء، ولا شك أن هذا الانشداد الايجابي للمجتمع، يمثل نوعاً من الحصانة الذاتية من الانزلاق في مهاوي الإجرام والفساد، فأكثر من يتورطون في الإضرار بأمن المجتمع، هم من يحملون مشاعر سلبية تجاهه، كردّ فعل لضغوط يعانونها، أو لتأثرهم بأفكار خاطئة.

ثانياً :

تستوعب وتحتوي الطاقات من أبناء المجتمع، لتوجهها الاتجاه الصحيح، وخاصة من شريحة الشباب، الذين لديهم فائض من الوقت والطاقة، وطموح لتكوين الذات وانتزاع الدور، وإذا لم توفر لهم الأجواء الصالحة، والقنوات المناسبة، فقد يضيعون في المتاهات، ويصبحون عبئاً على أمن المجتمع.

إن قيام منظمات المجتمع المدني، ومؤسسات العمل الأهلي، تفتح آفاقاً واسعة أمام شريحة كبيرة من جيل الشباب والشابات، ليصرفوا فائض جهدهم ووقتهم، فيما يصقل مواهبهم وقدراتهم، ويخدم مجتمعاتهم وأوطانهم.

ثالثاً :

تقدم الحلول والمعالجات للمشاكل الاجتماعية، حتى لا تتفاقم، وتصبح بؤراً منتجة للاضطراب وتقويض أمن المجتمع.

فمشكلة الفقر مثلاً، وضعف التعليم، ومشكلة البطالة، والخلافات الأسرية، والصـراعات الداخلية في المجتمع، وأمثالها توفر أرضية خصبة للإجرام والإرهاب.

ووجود جمعيات خيرية، ومؤسسات أهلية، تقوم إلى جانب دور الدولة الرئيس، بالتصدي لمعالجة هذه المشاكل، والاهتمام بمناطق الضعف والحاجة في المجتمع، يساعد كثيراً في التقليص من مساحتها، واحتواء آثارها ومضاعفاتها.

رابعاً :

تتبنى بعض المؤسسات الأهلية الاهتمام بنشـر ثقافة الفضيلة والالتزام الأخلاقي، والتبشير بقيم الخير والصلاح، ووضع البرامج والخطط لمقاومة السلوكيات المنحرفة، والاتجاهات الضارة بأمن المجتمع ومصلحة الفرد.

إن افتقاد مثل هذه المؤسسات، يجعل ساحة المجتمع مكشوفة أمام إرادات السوء والانحراف، من داخل المجتمع وخارجه، خاصة في عصر العولمة، الذي تحولت فيه اتجاهات الفساد والإجرام إلى مافيات دولية، وشبكات عالمية، بادرت إلى توظيف تقدم التكنولوجيا، ووسائل الإعلام والاتصالات، في اختراق جميع الشعوب والمجتمعات