مقالة للدكتور : سلطان الحريري عضو رابطة أهل حوران

عندما تداهمني الرغبة في القراءة أهرع إلى مكتبتي، فتذهب عيناي إلى كتب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، وهذا اليوم كان موعدي مع كتابه:  (من حديث النفس)، وقرأت بتمعن خاطرته التي بعنوان : (عيدي الذي فقدته). وقرأت قوله : ” يا آنسين بالعيد، يا فرحين به: هل تسمعون حديث رجل أضاع عيده، وقد كانت له أعياد، أم يؤذيكم طيف الشجي إذ يمر بأحلام أفراحكم الضاحكة؟ وملخص خاطرته أنه يرى العيد بفرحة الماضي بما يحمله من تجليات، وهو يتساءل بقوله: أربحنا من هذه المدنية وهذا العلم… أم خسرنا؟ سلوا هذه الحرب عما صنعته علومهم بسعادة البشر، وسلوا التاريخ عما صنعت بها علومنا وشريعتنا.

تجاوز الأمر – عند السوريين – الحنين إلى الماضي بكثير، وبات الحنين إلى لحظة فرح تدلف من نوافذ الأمل إلى بيوتنا أو خيامنا، حتى الفرح عندما يأتي فإنه يأتي بطعم الدموع وبطعم الألم.

وليس أمامنا – ونحن المؤمنين بقدر الله تعالى – إلا الرضا والقبول ” فإن الله بقسطه وعدله جعل الرَّوْحَ والفرج في الرضا واليقين”، وهذه نعمة منَّ الله بها علينا، فنحن نرضى بما قسم الله لنا، وإذا أرادنا أن نفرح فليكن الفرح ،  فـــ” الصبر نصف الإيمان ، واليقين الإيمان كله”،  كما أخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ومع اقتراب العيد  تظهر دعوات سخيفة من بعض الناس المتشائمين مفادها ألا عيد لنا، ولا يجب أن نهنئ بعضنا في الأعياد لما نعانيه من الحرب والقهر والتشرد، وينسى هؤلاء قوله تعالى : { ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}. فنحن مطالبون بتعظيم شعائر الله، والعيد من شعائره، والفرح عنوانه ومآله.

فهو يوم الزينة والزيارة، ويوم إدخال السرور إلى القلوب، وبه تعود البركات والخيرات؛ ”  لكثرة عوائد الله تعالى فيه على خلقه بأن بلغهم رمضان وأتم عليهم النعمة، وأعانهم على إتمام ركن من أركان الإسلام، فتوج شهر الصيام بالعيد، وأجزل لهم العطايا والمنح لعباده الصالحين، يخرجون فيه مكبرين تعظيماً لله، وبرهانا على ما في قلوبهم من محبته وشكره، فيجدر بالمسلم والمسلمة المحافظة فيه على الآداب والأخلاق الجميلة، والكرم والعفاف والستر والابتسامة والتزاور، وحفظ العمل الصالح، والتواصي بالتسامح والسلام والعفوعمن أخطأ أو ظلم أو قصَّر في الحقوق والواجبات من البعيد والقريب. ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور:22] والتصافح بالأيدي، وتبادل السلام.

علينا أن نهتم بكل ما شرعه الله في الأعياد بقدر استطاعتنا، فنكهة طعام قليل، واستقبال حار يصنعان وليمة سعيدة، ونحن مطالبون بالعفو عمن أساء لنا، فهذا هو العيد الذي تجلو به القلوب المطمئنة النقية، والتسامح زينة الفضائل، والحكمة تقول: ” من عفا ساد، ومن حلم عظم” . والطيبون هم الذين يستمتعون باللذة التي يمنحونها، أكثر من اللذة التي ينالونها.

وأنت يامن عضَّت عليك الدنيا بنواجذها، وعاثت في نفسك فسادا، فإذا لم تستطع الضحك فلا أقل من أن تبتسم و تنشر الابتسام فيمن حولك، وليكن وجهك بسّاما وكلامك لينا؛ تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم الذهب والفضة، واعلم أن الابتسامة في العيد واجب اجتماعي، وهي طريقك الأقصر إلى قلوب الناس.

وتذكروا أن إدخال الفرحة إلى نفوس المتألمين من الإحسان، فليس الإحسان غذاء ولا شرابا ولا كساء، بل هو مشاركة الناس في آلامهم. فامنحوا كل من تعرفونهم الأمل؛ لأن الأمل يخفف الدمعة التي يسقطها الحزن، وجاء في الحديث : ” وإن من أحب الأعمال إلى الله تعالى سرورا تدخله على مسلم”.

إذا حويت خصال الناس أجمعها        فضلا وعاملت كل الناس بالحسن

لم تعدم الخير من ذي العرش تحرزة      والشكر من خلقه في السر والعلن

فاحرص – عزيزي القارئ – أن تكون من المتفائلين في العيد، فالمتشائم لا يرى من الحياة إلا ظلها، وأكبر القتلة قاتل الأمل في نفوس البشر، والتشاؤم سوس الذكاء،  وتذكر قول الشاعر:

وكل الحادثات إذا تناهت     فموصول بها فرج قريب

تقبل الله طاعتكم وكل عام وأنتم بخير ، وأدعو الله أن يعيده علينا وعلى أمتنا بالخير واليمن والبركات .